[ لقراءة البيان في الموسوعة ]
الإمام ناصر محمد اليماني
10 - 10- 1430 هـ
29 - 09 - 2009 مـ
06:13 صباحاً
الإمام ناصر محمد اليماني
10 - 10- 1430 هـ
29 - 09 - 2009 مـ
06:13 صباحاً
๑•ิ.•ั๑✿๑•ิ.•ั๑ ✿ ๑•ิ.•ั๑ ✿๑•ิ.•ั๑
ترتيب السور في القرآن العظيم كان ترتيباً بأمر الله ..
بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسَلين جدي النّبيّ الأمي الأمين وآله التوّابين المتطهّرين والتابعين للحقّ إلى يوم الدين، وسلامٌ على المرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين..
ويا معشر الأنصار السابقين الأخيار صفوة البشريّة وخير البريّة أولي الألباب الموقنين بالبيان الحقّ للكتاب وتدبّروا فصل الخطاب فوجدوه القول الصواب والحكم الحقّ بين مختلف الأحزاب وتبيّن لهم كثيراً من أسرار الكتاب، فما أجمل تدارسكم وتذكير بعضكم بعضاً كما فعل طلال والناصر وهدى الحيران ومحمد العربي وعبد العزيز من خيار الرجال ونعم الرجال أنتم صدّقتم بالبيان الحقّ للقرآن العظيم فهُديتم إلى صراطٍ مستقيمٍ وصدَّقتم المهديّ المنتظَر قبل أن تروا صورته على الواقع أو تسمعوا صوته، وقد يقول الجاهلون الذين لا يعلمون: "كيف تصدّقون رجلاً أنّه المهديّ المنتظَر وأنتم لم تروا صورته على الواقع أو تسمعوا صوته ولربّما الصورة التي أظهرها ليست صورته؟"!
وما كان جواب أولو الألباب إلا أن قالوا:
"ليس الهدى في النظر المباشر إلى المهديّ المنتظَر وكأنّ من نظر إليه صدق واهتدى؛ كما ليس الهُدى في سماع صوته، فمن سمع صوته اهتدى؛ كلا! ثم كلا! ولو كان كذلك لصدّق كفار قريش وجميع من الذين نظروا إلى صورة محمدٍ رسول الله على الواقع الحقيقي وسمعوا صوته ولم نجدهم اهتدوا برغم أنّهم سمعوا القرآن من لسانه مباشرة بالصوت والصورة جهرةً على الواقع الحقيقي بين أيديهم، ولكنّ الذين ألهاهم النظر إلى النّبيّ وصورته لم يهتدوا أبداً، تصديقاً لقول الله تعالى:
{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ ﴿٤٢﴾ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ ﴿٤٣﴾ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿٤٤﴾}
صدق الله العظيم [يونس].
ومن ثم يسأل سائل: إذاً كيف اهتدوا إلى سبيل الحقّ؟
والجواب من محكم الكتاب:
{وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ۖ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴿٨١﴾}
صدق الله العظيم [النمل].
إذاً الأنصار السابقون الأخيار من الأولين والآخرين وصدّقوا بالبيان الحقّ للكتاب لأنّهم وجدوا البيان هو كذلك قرآنٌ يأتي به الإمام المهديّ من ذات القرآن، ولم يُلهِهُم صوته ولا صورته من تدبّر البيان الحقّ للقرآن العظيم؛ بل تدبّروا وتفكّروا حتى فاضت أعينهم من الدمع مما عرفوا من الحقّ وقالوا كمثل قول الذين اهتدوا من قبل:
{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّـهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿١٢﴾}
صدق الله العظيم [إبراهيم].
ويا معشر الأنصار السابقين الأخيار،
إن كنتم تريدون أن يُتمّ الله عليكم نعمته فلا تجعلوا لأنفسكم الخيرة من الأمر شيئاً وما يفعله إمامكم فيه حكمةٌ بالغةٌ لا تحيطوا بها علماً، فلربّما الجاهلون يحاجّوكم بالباطل من عدم الظهور لا بالصوت ولا بالصورة الحيّة ولا بالجهرة على الواقع الحقيقي فيقولون: فهل أنتم مجانين حتى تُصدّقوا ما يدّعيه؟ برغم أنّي وعدتكم بالظهور على اليوتيوب، وأنا بإذن الله عند وعدي والظهور في القناة الفضائية بالبث المباشر وأنا كذلك عند وعدي إذا تحقق لنا شراؤها بإذن الله، ولكنّي أريدكم أن تزدادوا هدًى ونوراً، فأنا أعلم أنّ نور الهُدى لم يجعله الله في الصورة والصوت بل في التدبر والتفكّر في برهان العلم المستنبط من آيات الكتاب فيجدون فيها عجب العجاب،تصديقاً لقول الله تعالى:{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٢٩﴾}
صدق الله العظيم [ص].
وبالنسبة لترتيب السور في القرآن العظيم فكان ترتيباً بأمر الله، وكان القرآن يكتب ولم ينهَهُم في ذلك الزمن إلا عن كتابة السُّنّة حتى لا تلهِهُم عن كتابة القرآن العظيم، وذلك لأن في القرآن سنّة البيان الأساسية للدين من آيات أمّ الكتاب. ولذلك قال الله تعالى:
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} صدق الله العظيم [النحل:44].
وكان لا يُطلب من محمدٍ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - البرهان لسنّة البيان من القرآن، وإنما يُطلب ذلك من المهديّ المنتظَر فيستنبط لهم ما يشاء الله من آيات الكتاب المحكمات، والعجيب في الأمر إنّه يأتيهم بالبرهان المُبين من آيات الكتاب المُحكمات هُنّ أمّ الكتاب وليس من المُتشابهات، والمُتشابهات إنّما هو تشابهٌ في ظاهرهن في اللفظ فإحداهنّ تكون محكمةً بيِّنةً ويقبل ظاهرها العقل والمنطق وتلك هي الآية المُحكمة، وأما المُتشابهة فظاهرها يخالف للعقل والمنطق وذلك لأنّ ظاهرها غير باطنها، والآيات المُتشابهات هُنّ لَسْنَ إلا بنسبة عشر بالمائة تقريباً أو أقل من ذلك،
وكما قلنا لكم:
إنّ الآيات المتشابهات ليس التشابه فيما بينهم؛ بل التشابه مع المحكم في ظاهرها لفظيّاً ومُتضاد في ظاهر
الآيات المُتشابهات مع آيات الكتاب المُحكمات.
وأضرب لكم على ذلك مثلاً :
1- آيةٌ محكمةٌ من آيات أمّ الكتاب البينات؛ قال الله تعالى:
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ
وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
2- آية متشابهة معها في اللفظ وتخالفها في المعنى المقصود، وهي قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم [البقرة:54].
فسبحان الله العظيم! فتدبّروا قول الله تعالى:
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾} صدق الله العظيم،
ثم قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم.
والسؤال الذي يطرح نفسه بالنيابة عنكم هو:
"كيف يا إمام نستطيع أن نُميّز بين الآية المحكمة والآية المتشابهة؟".
وإليكم الجواب بالحقّ:
فأمّا الآية المحكمة من آيات أمّ الكتاب، فإذا أرجعتموها للعقل والمنطق فحتماً ستجدون العقل والمنطق يُسلّم لها تسليماً لأنّها منطقيّة وتلك هي الآية المحكمة في الكتاب مثال قول الله تعالى:
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ
وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم.
لكن حين تتدبّرون الآية المتشابهة، مثال قول الله تعالى:
{فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم،
فإذا هي أولاً تضادَدَ ظاهرُها مع الآية المُحكمة التي تشابهت معها تشابهاً لفظياً فتخالف الأمر في الآية المحكمة بعدم قتل النفس، فإنّ ذلك يأسٌ من رحمة الله ومن يَئِس من رحمة الله وقتل نفسه {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا}
صدق الله العظيم [النساء:30].
ولكن المُتشابهة تُخالفُ الأمرَ في ظاهرها للأمر في الآية المحكمة، فما هو السبيل؟ فكيف تميّزون
بين الآية المحكمة والآية المُتشابهة؟
والجواب: إنّه رفع طلب الفتوى إلى العقل والمنطق الذي ميَّز الله به الإنسان عن الحيوان فحتماً يأتيكم بالنتيجة فيقول: إنّ أحدهنّ الأمر فيها منطقيّ يقبله العقل والمنطق، وهو قول الله تعالى:
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ
وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم.
وأما الأمر الآخر في قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ}
صدق الله العظيم،
فهذا يخالف للعقل والمنطق! فكيف يأمر الله عباده بقتل أنفسهم؟ فلا بد أنّ لها تأويلاً غير ظاهرها، وإنّما تشابهت لفظياً مع الآية المحكمة ولكنّ عِلْم بيانها عند الله، فهي تحتاج إلى سلطان العلم من ذات القرآن فإنّ العقل وحده لا يستطيع أن يأتيكم بتفسيرها، وإنّما يفهم العقل الآيات المحكمات فقط، ولكنّهن أمّ الكتاب لو تمسّك المؤمنون بهن لنجوا واهتدوا إلى صراط الحميد،
ولكنّ كثيراً من علماء الأمّة لم يميّزوا بين الآية المُحكمة والآية المُتشابهة برغم أنّهم لو حكّموا العقل والمنطق لأفتاهم بالحقّ وعلم العقل أيّهنّ الآية المُحكمة لأنّها حتماً تجدونها لا تخالف العقل والمنطق أبداً، تصديقاً لقول الله تعالى:
{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٢٩﴾}
صدق الله العظيم [ص].
ويا معشر الأنصار السابقين الأخيار،
والله الذي لا إلهَ غيره ولا معبودَ سواه إنّه لن ولن يصدقني الإمّعاتُ الذين لا يستخدمون عقولهم شيئاً بحجّة أنّهم ليسوا علماء، ونقول لهم كلا ثم كلا؛ أم إنّكم ترون الكفار الذين صدّقوا بالقرآن العظيم في عصر محمد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كانوا علماء كأمثال الأنصار السابقين من المهاجرين والأنصار؟ بل كانوا كافرين وليسوا بعلماء في الدين؛ بل استخدموا عقولهم فاستمعوا إلى منطق الداعي إلى سبيل ربه، محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - إذ يقول لهم:
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٠٨﴾}
صدق الله العظيم [يوسف].
وجاهدهم بالقرآن العظيم جهاداً كبيراً، فأمّا الذين استمعوا إلى آيات الله في مُحكم كتابه فحكّموا العقل والمنطق فقد أنار الله قلوبهم فبصرهم بالحقّ، وأما الذين لم يُعطوا لأنفسهم فرصةً للاستماع بفكر العقل أولئك كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا! وهل تدرون لماذا صاروا كالأنعام؟ لأنّهم لا يتفكّرون والأنعام لا تتفكّر ولكن الطير يتفكّر، ويا سبحان الله! فكم الفرق بين الطير والبقرة، فلا يساوي ربع أذنها - أصغر الطيور - ولكنّهُ أذكى منها، وسوف يصنع عُشه بشكل عجيبٍ وغريبٍ! فيصنعه مُتقناً فيقيه من الحر ويدفئه في البرد ولكنّ البقرة مع كبر حجمها ستموت برداً ولن تصنع لها جُحراً لأنّها لا تتفكّر، فأما الطير فيتفكّر، فانظروا كيف أنّه احتقر البشر الذين لم يعبدوا الله الواحد القهار الخالق الذي خلق الشمس والقمر، وجاء بأخبار لم يحِط بها سليمان علماً فلم يعلم إنّ ملكة سبأ وقومها يعبدون الشمس من دون الله في سبأ مأرب؛ بل لا يحيط بهم علماً فخاطب الهدهد سليمان وألقى بخُطبته الشهيرة في القرآن العظيم. قال:
{أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴿٢٢﴾ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴿٢٣﴾ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٢٤﴾ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿٢٥﴾ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [النمل].
انتهت خُطبة الهُدهد، ثم نأتي لرد سليمان عليه السلام سامحه الله، ولماذا القساوة يا سليمان عليك الصلاة والسلام على صاحب هذه الخطبة البديعة؟ وقال له سليمان:
{قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٢٧﴾ اذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴿٢٨﴾}
صدق الله العظيم [النمل].
انتهى رد سليمان، ومن ثم نأتي لرد الملكة الحكيمة حين استخدمت العقل والمنطق، وقالت:
{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [النمل].
فتدبّر الآيات جيداً، قال الله تعالى:
{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴿٢٠﴾ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴿٢١﴾ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴿٢٢﴾ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴿٢٣﴾ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٢٤﴾ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿٢٥﴾ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩ ﴿٢٦﴾ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٢٧﴾ اذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴿٢٨﴾ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴿٣٢﴾}
صدق الله العظيم [النمل].
وأشكر أخي طلال (من صناديد الرجال) المُقترح للتدبر والتفكر فيما قد ألقاه إليكم الإمام ناصر محمد اليماني من البيان الحقّ للقرآن: "فلا نضيّع الوقت حتى يأتينا منه الجديد بإذن الله فعلينا أن نتدبّر البيانات الحقّ للكتاب ونفهمها جيداً ونفهم علومها وأسرارها"، ونِعْمَ الفكرة يا طلال جزاك الله عنّي خير الجزاء وشكر الله لابن عمر؛ صانع طاولة الحوار الذي آوى المهديّ المنتظَر يوم كانوا يزجره أصحاب المواقع؛ حتى أعزَّ الله المهديّ المنتظَر بالحسين بن عمر، فوالله لا ولن أنسى فضله أبداً وإنّه لمن المُقرّبين وإنّه لمن الأنصار السابقين الأخيار المُكرّمين فلا يسعني أن أذكر جميع الأنصار بالاسم وإنّما أريد أن أعلمهم بالدعاء الحقّ الذي علَّمهم اللهُ إيّاهُ في الكتابِ، وقال الله تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٧﴾ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴿٨﴾ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴿٩﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].
أخوكم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسَلين جدي النّبيّ الأمي الأمين وآله التوّابين المتطهّرين والتابعين للحقّ إلى يوم الدين، وسلامٌ على المرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين..
ويا معشر الأنصار السابقين الأخيار صفوة البشريّة وخير البريّة أولي الألباب الموقنين بالبيان الحقّ للكتاب وتدبّروا فصل الخطاب فوجدوه القول الصواب والحكم الحقّ بين مختلف الأحزاب وتبيّن لهم كثيراً من أسرار الكتاب، فما أجمل تدارسكم وتذكير بعضكم بعضاً كما فعل طلال والناصر وهدى الحيران ومحمد العربي وعبد العزيز من خيار الرجال ونعم الرجال أنتم صدّقتم بالبيان الحقّ للقرآن العظيم فهُديتم إلى صراطٍ مستقيمٍ وصدَّقتم المهديّ المنتظَر قبل أن تروا صورته على الواقع أو تسمعوا صوته، وقد يقول الجاهلون الذين لا يعلمون: "كيف تصدّقون رجلاً أنّه المهديّ المنتظَر وأنتم لم تروا صورته على الواقع أو تسمعوا صوته ولربّما الصورة التي أظهرها ليست صورته؟"!
وما كان جواب أولو الألباب إلا أن قالوا:
"ليس الهدى في النظر المباشر إلى المهديّ المنتظَر وكأنّ من نظر إليه صدق واهتدى؛ كما ليس الهُدى في سماع صوته، فمن سمع صوته اهتدى؛ كلا! ثم كلا! ولو كان كذلك لصدّق كفار قريش وجميع من الذين نظروا إلى صورة محمدٍ رسول الله على الواقع الحقيقي وسمعوا صوته ولم نجدهم اهتدوا برغم أنّهم سمعوا القرآن من لسانه مباشرة بالصوت والصورة جهرةً على الواقع الحقيقي بين أيديهم، ولكنّ الذين ألهاهم النظر إلى النّبيّ وصورته لم يهتدوا أبداً، تصديقاً لقول الله تعالى:
{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ ﴿٤٢﴾ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ ﴿٤٣﴾ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿٤٤﴾}
صدق الله العظيم [يونس].
ومن ثم يسأل سائل: إذاً كيف اهتدوا إلى سبيل الحقّ؟
والجواب من محكم الكتاب:
{وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ۖ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴿٨١﴾}
صدق الله العظيم [النمل].
إذاً الأنصار السابقون الأخيار من الأولين والآخرين وصدّقوا بالبيان الحقّ للكتاب لأنّهم وجدوا البيان هو كذلك قرآنٌ يأتي به الإمام المهديّ من ذات القرآن، ولم يُلهِهُم صوته ولا صورته من تدبّر البيان الحقّ للقرآن العظيم؛ بل تدبّروا وتفكّروا حتى فاضت أعينهم من الدمع مما عرفوا من الحقّ وقالوا كمثل قول الذين اهتدوا من قبل:
{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّـهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿١٢﴾}
صدق الله العظيم [إبراهيم].
ويا معشر الأنصار السابقين الأخيار،
إن كنتم تريدون أن يُتمّ الله عليكم نعمته فلا تجعلوا لأنفسكم الخيرة من الأمر شيئاً وما يفعله إمامكم فيه حكمةٌ بالغةٌ لا تحيطوا بها علماً، فلربّما الجاهلون يحاجّوكم بالباطل من عدم الظهور لا بالصوت ولا بالصورة الحيّة ولا بالجهرة على الواقع الحقيقي فيقولون: فهل أنتم مجانين حتى تُصدّقوا ما يدّعيه؟ برغم أنّي وعدتكم بالظهور على اليوتيوب، وأنا بإذن الله عند وعدي والظهور في القناة الفضائية بالبث المباشر وأنا كذلك عند وعدي إذا تحقق لنا شراؤها بإذن الله، ولكنّي أريدكم أن تزدادوا هدًى ونوراً، فأنا أعلم أنّ نور الهُدى لم يجعله الله في الصورة والصوت بل في التدبر والتفكّر في برهان العلم المستنبط من آيات الكتاب فيجدون فيها عجب العجاب،تصديقاً لقول الله تعالى:{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٢٩﴾}
صدق الله العظيم [ص].
وبالنسبة لترتيب السور في القرآن العظيم فكان ترتيباً بأمر الله، وكان القرآن يكتب ولم ينهَهُم في ذلك الزمن إلا عن كتابة السُّنّة حتى لا تلهِهُم عن كتابة القرآن العظيم، وذلك لأن في القرآن سنّة البيان الأساسية للدين من آيات أمّ الكتاب. ولذلك قال الله تعالى:
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} صدق الله العظيم [النحل:44].
وكان لا يُطلب من محمدٍ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - البرهان لسنّة البيان من القرآن، وإنما يُطلب ذلك من المهديّ المنتظَر فيستنبط لهم ما يشاء الله من آيات الكتاب المحكمات، والعجيب في الأمر إنّه يأتيهم بالبرهان المُبين من آيات الكتاب المُحكمات هُنّ أمّ الكتاب وليس من المُتشابهات، والمُتشابهات إنّما هو تشابهٌ في ظاهرهن في اللفظ فإحداهنّ تكون محكمةً بيِّنةً ويقبل ظاهرها العقل والمنطق وتلك هي الآية المُحكمة، وأما المُتشابهة فظاهرها يخالف للعقل والمنطق وذلك لأنّ ظاهرها غير باطنها، والآيات المُتشابهات هُنّ لَسْنَ إلا بنسبة عشر بالمائة تقريباً أو أقل من ذلك،
وكما قلنا لكم:
إنّ الآيات المتشابهات ليس التشابه فيما بينهم؛ بل التشابه مع المحكم في ظاهرها لفظيّاً ومُتضاد في ظاهر
الآيات المُتشابهات مع آيات الكتاب المُحكمات.
وأضرب لكم على ذلك مثلاً :
1- آيةٌ محكمةٌ من آيات أمّ الكتاب البينات؛ قال الله تعالى:
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ
وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [النساء].
2- آية متشابهة معها في اللفظ وتخالفها في المعنى المقصود، وهي قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم [البقرة:54].
فسبحان الله العظيم! فتدبّروا قول الله تعالى:
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾} صدق الله العظيم،
ثم قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم.
والسؤال الذي يطرح نفسه بالنيابة عنكم هو:
"كيف يا إمام نستطيع أن نُميّز بين الآية المحكمة والآية المتشابهة؟".
وإليكم الجواب بالحقّ:
فأمّا الآية المحكمة من آيات أمّ الكتاب، فإذا أرجعتموها للعقل والمنطق فحتماً ستجدون العقل والمنطق يُسلّم لها تسليماً لأنّها منطقيّة وتلك هي الآية المحكمة في الكتاب مثال قول الله تعالى:
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ
وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم.
لكن حين تتدبّرون الآية المتشابهة، مثال قول الله تعالى:
{فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} صدق الله العظيم،
فإذا هي أولاً تضادَدَ ظاهرُها مع الآية المُحكمة التي تشابهت معها تشابهاً لفظياً فتخالف الأمر في الآية المحكمة بعدم قتل النفس، فإنّ ذلك يأسٌ من رحمة الله ومن يَئِس من رحمة الله وقتل نفسه {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا}
صدق الله العظيم [النساء:30].
ولكن المُتشابهة تُخالفُ الأمرَ في ظاهرها للأمر في الآية المحكمة، فما هو السبيل؟ فكيف تميّزون
بين الآية المحكمة والآية المُتشابهة؟
والجواب: إنّه رفع طلب الفتوى إلى العقل والمنطق الذي ميَّز الله به الإنسان عن الحيوان فحتماً يأتيكم بالنتيجة فيقول: إنّ أحدهنّ الأمر فيها منطقيّ يقبله العقل والمنطق، وهو قول الله تعالى:
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ
وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم.
وأما الأمر الآخر في قول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ}
صدق الله العظيم،
فهذا يخالف للعقل والمنطق! فكيف يأمر الله عباده بقتل أنفسهم؟ فلا بد أنّ لها تأويلاً غير ظاهرها، وإنّما تشابهت لفظياً مع الآية المحكمة ولكنّ عِلْم بيانها عند الله، فهي تحتاج إلى سلطان العلم من ذات القرآن فإنّ العقل وحده لا يستطيع أن يأتيكم بتفسيرها، وإنّما يفهم العقل الآيات المحكمات فقط، ولكنّهن أمّ الكتاب لو تمسّك المؤمنون بهن لنجوا واهتدوا إلى صراط الحميد،
ولكنّ كثيراً من علماء الأمّة لم يميّزوا بين الآية المُحكمة والآية المُتشابهة برغم أنّهم لو حكّموا العقل والمنطق لأفتاهم بالحقّ وعلم العقل أيّهنّ الآية المُحكمة لأنّها حتماً تجدونها لا تخالف العقل والمنطق أبداً، تصديقاً لقول الله تعالى:
{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٢٩﴾}
صدق الله العظيم [ص].
ويا معشر الأنصار السابقين الأخيار،
والله الذي لا إلهَ غيره ولا معبودَ سواه إنّه لن ولن يصدقني الإمّعاتُ الذين لا يستخدمون عقولهم شيئاً بحجّة أنّهم ليسوا علماء، ونقول لهم كلا ثم كلا؛ أم إنّكم ترون الكفار الذين صدّقوا بالقرآن العظيم في عصر محمد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كانوا علماء كأمثال الأنصار السابقين من المهاجرين والأنصار؟ بل كانوا كافرين وليسوا بعلماء في الدين؛ بل استخدموا عقولهم فاستمعوا إلى منطق الداعي إلى سبيل ربه، محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - إذ يقول لهم:
{قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٠٨﴾}
صدق الله العظيم [يوسف].
وجاهدهم بالقرآن العظيم جهاداً كبيراً، فأمّا الذين استمعوا إلى آيات الله في مُحكم كتابه فحكّموا العقل والمنطق فقد أنار الله قلوبهم فبصرهم بالحقّ، وأما الذين لم يُعطوا لأنفسهم فرصةً للاستماع بفكر العقل أولئك كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا! وهل تدرون لماذا صاروا كالأنعام؟ لأنّهم لا يتفكّرون والأنعام لا تتفكّر ولكن الطير يتفكّر، ويا سبحان الله! فكم الفرق بين الطير والبقرة، فلا يساوي ربع أذنها - أصغر الطيور - ولكنّهُ أذكى منها، وسوف يصنع عُشه بشكل عجيبٍ وغريبٍ! فيصنعه مُتقناً فيقيه من الحر ويدفئه في البرد ولكنّ البقرة مع كبر حجمها ستموت برداً ولن تصنع لها جُحراً لأنّها لا تتفكّر، فأما الطير فيتفكّر، فانظروا كيف أنّه احتقر البشر الذين لم يعبدوا الله الواحد القهار الخالق الذي خلق الشمس والقمر، وجاء بأخبار لم يحِط بها سليمان علماً فلم يعلم إنّ ملكة سبأ وقومها يعبدون الشمس من دون الله في سبأ مأرب؛ بل لا يحيط بهم علماً فخاطب الهدهد سليمان وألقى بخُطبته الشهيرة في القرآن العظيم. قال:
{أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴿٢٢﴾ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴿٢٣﴾ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٢٤﴾ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿٢٥﴾ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [النمل].
انتهت خُطبة الهُدهد، ثم نأتي لرد سليمان عليه السلام سامحه الله، ولماذا القساوة يا سليمان عليك الصلاة والسلام على صاحب هذه الخطبة البديعة؟ وقال له سليمان:
{قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٢٧﴾ اذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴿٢٨﴾}
صدق الله العظيم [النمل].
انتهى رد سليمان، ومن ثم نأتي لرد الملكة الحكيمة حين استخدمت العقل والمنطق، وقالت:
{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [النمل].
فتدبّر الآيات جيداً، قال الله تعالى:
{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴿٢٠﴾ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴿٢١﴾ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴿٢٢﴾ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴿٢٣﴾ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٢٤﴾ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿٢٥﴾ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩ ﴿٢٦﴾ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٢٧﴾ اذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴿٢٨﴾ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴿٣٢﴾}
صدق الله العظيم [النمل].
وأشكر أخي طلال (من صناديد الرجال) المُقترح للتدبر والتفكر فيما قد ألقاه إليكم الإمام ناصر محمد اليماني من البيان الحقّ للقرآن: "فلا نضيّع الوقت حتى يأتينا منه الجديد بإذن الله فعلينا أن نتدبّر البيانات الحقّ للكتاب ونفهمها جيداً ونفهم علومها وأسرارها"، ونِعْمَ الفكرة يا طلال جزاك الله عنّي خير الجزاء وشكر الله لابن عمر؛ صانع طاولة الحوار الذي آوى المهديّ المنتظَر يوم كانوا يزجره أصحاب المواقع؛ حتى أعزَّ الله المهديّ المنتظَر بالحسين بن عمر، فوالله لا ولن أنسى فضله أبداً وإنّه لمن المُقرّبين وإنّه لمن الأنصار السابقين الأخيار المُكرّمين فلا يسعني أن أذكر جميع الأنصار بالاسم وإنّما أريد أن أعلمهم بالدعاء الحقّ الذي علَّمهم اللهُ إيّاهُ في الكتابِ، وقال الله تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٧﴾ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴿٨﴾ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴿٩﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].
أخوكم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
๑•ิ.•ั๑✿๑•ิ.•ั๑ ✿ ๑•ิ.•ั๑ ✿๑•ิ.•ั๑